لا بدّ أن تكون قد صادفت مشهداً تلفزيونياً في أحد المسلسلات أو قرأت في إحدى الروايات عن بطل يعاني مشكلة في التعبير عن مشاعره؛ وهو ما يسبب له العديد من المشاكل المربكة التي تجعل الجميع يفهم شخصيته بشكل خاطئ. لا نتكلم هنا فقط عن التعبير عن مشاعر الحب، بل أيضاً عن مشاعر الفرح والامتنان والحزن والغضب وغيرها.
ترى ما السبب وراء مثل هذه الحالة؟ ولماذا يكثُر انتشارها في هذه القصص؟
لا تعتقد أن الأمر يقتصر على بعض القصص التي شاهدتها خلف شاشة تلفازك، إذ تنتشر هذه الحالة بشدة بين الناس، وتعرف باسم انخفاض الذكاء العاطفي. فما المقصود بهذا وما مؤشراته وكيف يمكن التعامل مع هذه الحالة؟
ما المقصود بالذكاء العاطفي؟
تعرف منظمة الصحة العقلية الأمريكية (MHA) الذكاء العاطفي بأنه القدرة على إدارة عواطفك وفهم مشاعر الآخرين من حولك. مقسّمةً الذكاء العاطفي إلى 5 عناصر رئيسية تتمثل في الوعي الذاتي، والتنظيم الذاتي، والتحفيز، والتعاطف، والمهارات الاجتماعية.
يساعد الذكاء العاطفي الأشخاص على التناغم مع مجموعة واسعة من المشاعر، واستكشافها وفهم تأثيرها على مشاعرهم وسلوكياتهم؛ مما يمكنهم من التكيّف بشكل أكبر مع البيئات المتغيرة والانفتاح على المواقف ووجهات النظر المختلفة.
مما سبق يمكننا استنتاج أن الذكاء العاطفي ضروري جداً لإدارة العديد من جوانب حياتنا، وهو مؤشر قوي على الرضا عن الحياة والنجاح. لكن ماذا لو لم نمتلك هذا النوع من الذكاء؟ هل سنكون أغبياء عاطفياً؟ وهل يعني ذلك أن تواصلنا مع الآخرين سينقطع؟
بكل تأكيد لا وجود لمصطلح الغباء العاطفي، لكنه انخفاض في الذكاء العاطفي. والخبر الجميل أنه يمكننا إدارة هذا الانخفاض والتعامل معه بشكل صحيح والتدرب على التحكم بمشاعرنا وإدارتها.
اقرأ أيضاً: وضعية جلوسك تكشف السمات الخفية لشخصيتك
ما هي علامات انخفاض الذكاء العاطفي؟
لتتمكن من إدارة انخفاض الذكاء العاطفي لديك، يتوجب في البداية اكتشاف الأمر. فليس كل ضعف في التواصل يعني أن المشكلة في ذكائك العاطفي. لكن عادة ما يتظاهر انخفاض الذكاء العاطفي بطرق مختلفة بما فيها ضعف التحكم العاطفي وصعوبة فهم العواطف والتعرف إليها، وضعف المهارات الاجتماعية المختلفة. وإليك بعض العلامات الأكثر شيوعاً لانخفاض الذكاء العاطفي:
ضعف السيطرة العاطفية
غالباً ما يواجه الأشخاص الذين يعانون من انخفاض الذكاء العاطفي صعوبة في تنظيم عواطفهم، وانخفاضاً في مستوى فهمهم لمحفزاتهم العاطفية. تراهم يكافحون للسيطرة على ردود أفعالهم المباشرة، ويعانون من زيادة في مشاعر الغضب والإحباط والحزن.
وكاستراتيجية للتكيف مع ما يواجهونه، يحاول هؤلاء في البداية كبت مشاعرهم وإنكارها أو تشتيت انتباههم بأنشطة أخرى؛ فيصبحون أكثر عرضة للتوتر والقلق والاكتئاب؛ وينتهي بهم المطاف يواجهون تسرّباً عاطفياً تظهر من خلاله جميع مشاعرهم المكبوتة بطريقة غير مقصودة.
صعوبة في التعرف على المشاعر
بوعيهم العاطفي المحدود، يجد من يعانون من انخفاض الذكاء العاطفي صعوبة في التعرف على المشاعر الطبيعية، ويميلون إلى وصف المشاعر بطريقة أقل دقة.
على سبيل المثال، وفيما يتعلق بالمشاعر السلبية، قد يستخدم هؤلاء أوصافاً عامة مثل “حزين” أو “غاضب” للحديث عن الملل أو الإحباط أو نفاذ الصبر. في حين تنعكس تأثيرات هذا الوعي المنخفض على مشاعر الآخرين والتي غالباً ما يتم إهمالها أو عدم التركيز فيها.
ضعف المهارات الاجتماعية
بسبب صعوبة التواصل العاطفي مع الآخرين، غالباً ما يكون لذوي الذكاء العاطفي المنخفض عدد قليل جداً من الأصدقاء. والسبب في ذلك يرجع إلى أنه عندما يشارك شخص ما مشاعره مع منخفض الذكاء العاطفي فإن الأخير غالباً ما يفشل في تقديم الدعم العاطفي المناسب، أو يميل إلى تجاهل المشكلة برمّتها.
وفي حالات أخرى يكافح ذوي الذكاء العاطفي المنخفض للتعبير عن مشاعرهم بشكل حازم، فيظهرون بشكل عدواني وسلبي وغير واضح، مما يخلق حالة من عدم الفهم قد تتطور لتصل حد النزاع والخلاف وهي بدورها تتطلب مهارات تفاوض عالية لحلها لا يمتلكها أصحاب الذكاء العاطفي المنخفض.
انخفاض التعاطف
بسبب الوعي الاجتماعي المحدود، فإن الأشخاص الذين يعانون من انخفاض الذكاء العاطفي لديهم قدرة منخفضة على التعاطف والشعور بالآخرين؛ يفتقرون إلى مهارات الاستماع، وينتقدون تجارب الآخرين بطريقة غير لائقة.
التركيز على الذات
غالباً ما يرغب الأشخاص الذين يعانون من انخفاض الذكاء العاطفي في أن يكونوا محور الاهتمام في كل محادثة حتى لو كان الموضوع متعلقاً بأشخاص آخرين، فإنهم عادة ما يجدون طريقة لتحويل التركيز إليهم؛ وهو ما يجعل الجميع ينفر منهم لأنانيتهم الظاهرة في النقاش والإدلاء بالحجج.
إلقاء اللوم على الآخرين
يلقي هؤلاء اللوم على الآخرين عند ارتكابهم خطأ ما، أو أنهم يرجِعون ذلك إلى ظروف خارجة عن إرادتهم بدلاً من تحملهم مسؤولية ما قاموا به.
على سبيل المثال، عندما يقول شخص ما لديه انخفاض في ذكائه العاطفي كلاماً مزعجاً أو جارحاً لشخص آخر، فإن يرجع ذلك إلى تحفيز من طرف ثالث للقيام بذلك. وإذا فشل في مهمة ما يلقي باللوم على حُكم المقيّمين والمسؤولين.
كيف نميّز المصابين بانخفاض الذكاء العاطفي؟
من الناحية العملية، يمكن لبعض السلوكيات أن تمثل مؤشراً يساعد في الاستدلال على الشخص الذي يفتقر لمهارات الذكاء العاطفي، نذكر من أبرزها:
- يتجنب الحديث عن مشاعره، ويجاهد لإخفائها.
- يتعامل مع المشاعر على أنها مشاكل وتهديدات.
- يتجنب المشاعر السلبية للآخرين والحديث عنها.
- يتظاهر بالسعادة دائماً وينكر مشاعره المؤلمة في محاولة لإقناع نفسه والآخرين بأن المشاعر السلبية لا تؤثر فيه.
- استجابته حادة وسريعة في المواقف العصيبة.
- يجد صعوبة في تهنئة زملائه على إنجازاتهم، مما يخلق بيئة مشحونة وأجواء من الغيرة والمنافسة.
- يواجه صعوبة في العمل ضمن فريق والتحدث أثناء الاجتماعات.
- يميل للعمل وفق ما يراه مناسباً، مستنكراً أي اقتراحات أو حلول للآخرين.
- يصدر انتقادات لاذعة بحق الآخرين.
- يجد صعوبة في تقبل النقد.
أسباب انخفاض الذكاء العاطفي
يوجد العديد من الأسباب التي تقف وراء الإصابة بانخفاض الذكاء العاطفي، ويتجلى أهمها في:
طريقة تربية الأبناء
يعتبر الذكاء العاطفي مهارة تبدأ في التطور منذ وقت مبكر وصغير من حياتنا؛ لذا فإن للتفاعلات الأولى للوالدين دوراً بالغاً في تشكل وعي الطفل العاطفي.
في مجتمعاتنا، عادة ما يلام الأولاد منذ الطفولة عند بكائهم، متذرعين بمقولة أن “الرجال لا تبكي”، فيكبر هذا الطفل ويصبح شاباً يخشى التعبير عن مشاعره ويصاب بانخفاض في الذكاء العاطفي.
على جانب آخر، تسبب العلاقات السلطوية التي يستخدم فيها أسلوب التهديد والعقاب في تقليل شعور الطفل بالأمان وعدم قدرته على التعبير عن مشاعره الحقيقية. لذا فإن ما يحتاجه الطفل هو بعض التوجيه ليتعلم اتخاذ قرارته بشكل صحيح ويتحمل نتائجها؛ فيكبر الطفل واثقاً بنفسه قادراً على الاعتماد على ذاته وقراراته.
اللامفرداتية أو اليكسيثيميا
بحسب موقع هيلث لاين (healthline) فإن اليكسيثيميا (Alexithymia) مصطلح واسع يصف مشاكل الشعور بالعواطف. وهو مصطلح يوناني استخدم في النظريات الديناميكية النفسية الفرويدية للإشارة إلى شح ونقص في الكلمات العاطفية لدى الشخص. وتقدر إصابة 1 من كل 10 أشخاص حول العالم بها.
اقرأ أيضاً: 10 استراتيجيات للتغلب على القلق الاجتماعي
عواقب انخفاض الذكاء العاطفي
يؤثر انخفاض الذكاء العاطفي على عدة مناحي من حياة الفرد أهمها:
الصحة العقلية والرفاهية
يؤثر تجاهل العواطف بشكل دائم سلباً على الصحة العقلية للشخص مسبباً اضطرابات في المزاج كالقلق والاكتئاب وصعوبة في التعامل مع تحديات الحياة وتحولاتها.
ويميل الأشخاص المصابون بانخفاض الذكاء العاطفي إلى تبنّي آليات تكيف غريبة في محاولة لقمع وتجنب مشاعرهم.
العمل الاجتماعي
كما سبق وأوضحنا، يسبب انخفاض الذكاء العاطفي مشاكل في بناء العلاقات المختلفة سواء في العلاقات الزوجية، أو حتى علاقات المراهقين بالأهل التي تصبح عدوانية عند انخفاض الذكاء العاطفي للمراهق.
الأداء الأكاديمي والعلمي
يمنع انخفاض الذكاء العاطفي تبني استجابات عاطفية فعالة في السياقات الأكاديمية، حيث يصبح إجراء الاختبارات وسماع التعليقات أمراً مثيرًا للقلق ومخيباً للأمل.
أما في بيئات العمل، فيؤثر على إنتاجية الموظفين ويزيد خطر إصابتهم بالإرهاق وانخفاض الرضا الوظيفي.
كيف نتعامل مع شخص ذو ذكاء عاطفي منخفض؟
نظراً لوعيه العاطفي المنخفض، فإن محاولتك إقحامه في محادثة عاطفية مليئة بالمفردات العاطفية أمر غير مجدٍ. لكن يمكن اتباع هذه الاستراتيجيات:
كن منفتحاً على الاستماع
عندما لا يستجيب شخص ما لإشاراتنا العاطفية، فمن الطبيعي أن نشعر بالإحباط ونرغب في إنهاء الحديث. لكن بدلاً من ذلك عليك بذل جهد إضافي للاستماع بفعالية إلى ما يقوله الشخص الآخر وإظهار الاهتمام بوجهة نظره لتساعد في خلق تقارب عاطفي أكبر يساهم في تبادل وجهات النظر.
كن واضحاً
نظراً لأن الأشخاص الذين يعانون من انخفاض الذكاء العاطفي يجدون صعوبة في التقاط الفروق العاطفية الدقيقة في المحادثة، فلا ينبغي أن تتوقع منهم فهم المشاعر التي تحاول التعبير عنها بلغة جسدك أو نبرة صوتك؛ بل عليك التعبير بشكل واضح وصريح لتجنب سوء الفهم.
اقرأ أيضاً: هل تشعر بالوحدة والقلق في الليل؟ إليك كيفية التعامل مع ذلك
لا تأخذ الأمور على محمل شخصي
لا تعتبر الانتقادات من هذا الشخص موجهة بشكل شخصي لك. فبدلاً من أن تكون دفاعياً بشكل مبالغ، حاول بذل مزيد من الجهد للحفاظ على هدوئك والتعبير عن مشاعرك بحزم.