يمضي الليل بطيئًا محمّلاً بمشاعر متزاحمة من الوحدة التي تقضّ مضجعك وتدخلك في دوامات من الحزن والعزلة لا تعرف كيف تخرج منها؛ فتقضي ليلك حزيناً وحيداً قلقاً، يهرب النوم من جفنيك فلا تقوى على أداء مهامك الرئيسية في نهار اليوم التالي.
إن كنت تواجه مثل هذه الحالة، فأنت تعاني من اضطراب الوحدة الليلية. عادة ما يعاني العديد من الأشخاص من هذه المشاعر التي تباغتهم في ساعات الليل وتحرمهم الاستمتاع بهدوئه الساحر وسلامه المبهج.
يُرجع المختصون هذه المشاعر إلى العديد من الأسباب، إلا أنها تتأثر بالشكل الأكبر بالعوامل النفسية والفسيولوجية والبيئية للأشخاص. وإليك أبرز هذه العوامل وكيفية إدارة مشاعرك ليلاً.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر انخفاض ذكائك العاطفي في علاقتك بالآخرين؟
العوامل المسببة لمشاعر الوحدة الليلية
الهدوء والسكون
غالباً ما تكون البيئة الليلية أكثر هدوءً وأقل نشاطاً وحيوية من النهار. تحفز هذه الأجواء الهادئة مشاعر الوعي الذاتي وتزيد تدفق الأفكار فتجعل الأشخاص يغوصون في عوالمهم الخاصة عبر أبواب وأسوار تحيطهم فيقعون أسرى وحدتهم ومشاعر القلق.
قلة التفاعل الاجتماعي
تجعل الأنشطة النهارية كالعمل والتفاعلات الاجتماعية وممارسة الهوايات المختلفة من يومنا مشحوناً يعجّ بالحيوية والنشاط، فيسيطر هذا النشاط على يومنا ويُخرجنا قليلاً من وحدتنا. ومع انتهاء هذه الأنشطة والعودة إلى الليل، نعود لانتشال عواطفنا المخفية ونُحييها من جديد.
العزلة
تولّد التفاعلات الاجتماعية مع العائلة والأصدقاء وزملاء العمل خلال النهار إحساساً بالارتباط مع المجتمع. في حين أن العزلة الجسدية التي تتولد ليلاً تزيد حدة مشاعر الوحدة.
المقارنات الاجتماعية
تحدث هذه المقارنات خلال ساعات الليل الهادئة بشدة. فيبدأ الأشخاص التفكير فيما جرى خلال يومهم، فتفعّل ذاكرتهم سبراً سريعاً لتفاصيل ما جرى على مدى الساعات الماضية؛ وتبدأ أدمغتهم بإجراء مقارنات -غير عادلة- بين حياتهم الاجتماعية وحيوات الآخرين. تغذي هذه الأفكار الروتينية مشاعر الوحدة وعدم الكفاءة وضعف الثقة بالنفس، وقد تسبب في بعض الأحيان رهاباً اجتماعياً لدى الأفراد.
العوامل البيولوجية
تؤثر هرمونات الدماغ والنواقل العصبية على عواطفنا بشكل كبير. إذ ترتفع مستويات هرمون التوتر (الكورتيزول) مساءً فيزيد المشاعر السلبية كالوحدة والقلق والعزلة.
مؤشرات إصابتك باضطراب الوحدة الليلية
إذا شعرت أنك تعاني من أحد أو عدة أعراض مما يلي فأنت مصاب باضطراب الوحدة الليلية:
- العواطف القوية: تصبح مشاعر الحزن والفراغ وعدم الارتياح واضحة ليلاً عندما تكون بمفردك يحيطك الهدوء.
- التأمل الذاتي: غالباً ما تؤدي الوحدة إلى زيادة مستوى الوعي الذاتي والتأمل، فتجد نفسك منخرطاً في تفكير عميق حول حياتك وعلاقاتك وعواطفك.
- الرغبة في التواصل الاجتماعي: قد يراودك شعور متكرر بالرغبة في التفاعل الاجتماعي والخروج مع الأصدقاء، وخاصة في الوقت المتأخر من الليل.
- مشاكل واضطرابات في النوم: تُعطل مشاعر الوحدة نومك فتسبب لك صعوبة في النوم، أو قد تعاني من الاستيقاظ المتكرر طوال الليل، أو تواجه الأرق بسبب الاضطراب العاطفي الذي تعيشه.
- الانخراط في الأنشطة بهدف الهروب: لإبعاد نفسك عن مشاعر الوحدة، فإنك تلجأ إلى الأنشطة التي توفر لك راحة مؤقتة مثل الاستخدام المفرط للموبايل، أو الإفراط في تناول الطعام، أو الانغماس في سلوكيات مشتتة.
- التحدث السلبي عن النفس: عادة ما تتخذ محادثاتك السلبية نبرة تشاؤمية وانتقاداً للذات خلال الليل.
اقرأ أيضاً: ما تراه أولاً في هذه الصورة يكشف نقاط قوتك وضعفك
كيفية إدارة مشاعر الوحدة الليلية
لإدارة مشاعر الوحدة في الليل عليك معالجة أسبابها بداية مع اتباع استراتيجيات التكيف التالية:
- تحديد المحفزات: حدد العوامل التي تسبب شعورك بالوحدة وتغذّيه لتطوير استراتيجيات التكيف المستهدفة.
- إنشاء روتين مهدئ: يتضمن هذا الروتين أنشطة مساعدة على الاسترخاء كالقراءة والتأمل.
- تعزيز الثقة بالنفس: ويكون ذلك عبر مواجهة الأفكار السلبية بالإيجابية التي تركز على نقاط قوتك وعلاقاتك الإيجابية.
- الحفاظ على علاقاتك وتنميتها: عبر التواصل مع الأصدقاء والعائلة والأقرباء للحصول على الدعم.
- تسجيل العواطف: يساعد تسجيل عواطفك وما تشعر به في تحديدها لتمكين معالجة كل منها بشكل منفصل ومواجهتها بالطريقة الصحيحة.
- الحد من استخدام الأجهزة الذكية: تأكد من تخفيض وقت استخدامك للشاشات المختلفة كالموبايل والتلفاز والحاسب قبل النوم لتتمكن من الاسترخاء.
في النهاية، عليك أن تعلم أن إدارة الوحدة الليلية رحلة فردية تتطلب استراتيجيات مناسبة لك تحددها بحسب العوامل المؤثرة فيك. لكن في حال لاحظت أن هذه الاستراتيجيات غير نافعة سارع لاستشارة أخصائي قبل تفاقم الأمر.
